
مرض الزهايمر، ذلك اللغز الطبي الذي يسلب الذكريات ويُدخل الإنسان في رحلة من النسيان التدريجي، إنه ليس مجرد فقدان للذاكرة، بل معركة مع الزمن والعقل، حيث تتلاشى التفاصيل الصغيرة أولًا، لتصبح الحياة لوحة ضبابية يصعب تمييز ملامحها، ومع تزايد أعداد المصابين حول العالم، يبقى هذا المرض تحديًا مؤلمًا للعائلات والمجتمعات، وسعيًا مستمرًا للعلم لإيجاد الحل النهائي والفعال.
ما هو؟
مرض الزهايمر هو اضطراب عصبي يؤدي إلى تدهور خلايا الدماغ السليمة، مما يتسبب في ضعف تدريجي ومستمر للذاكرة والقدرات العقلية والذهنية، يُعد الزهايمر السبب الأكثر شيوعًا للخرف، حيث يؤثر على التفكير والسلوك والمهارات الاجتماعية، مما يعوق أداء الأنشطة اليومية، يتطور المرض ببطء، وتزداد أعراضه حدة مع تقدم العمر.
النسيان الذي لا يُنسى
عادةً ما يصيب مرض الزهايمر الأشخاص الذين تجاوزوا سن 65 عامًا، لكنه قد يظهر في عمر مبكر، بين العقدين الرابع والخامس، وهو ما يُعرف بـ"الزهايمر المبكر"، وهي حالة نادرة تمثل حوالي 5% من إجمالي الحالات، تشمل أعراض الزهايمر المبكر ضعفًا طفيفًا في الذاكرة، صعوبة في التركيز، مشكلات في أداء المهام اليومية، تحديات في اختيار الكلمات المناسبة، فقدان الإحساس بالوقت، ومشاكل بصرية مثل صعوبة تقدير المسافات.
أعراضه
تختلف الأعراض بحسب المرحلة التي يمر بها المرض، لكنها تشمل بشكل عام فقدان الذاكرة، صعوبة تذكر الأحداث الأخيرة، تكرار نفس الأسئلة أو المحادثات، نسيان مواعيد أو أماكن الأشياء، الاعتماد بشكل متزايد على الملاحظات أو الأشخاص الآخرين لتذكر التفاصيل.
التحديات في حل المشكلات، من صعوبة في التعامل مع الأرقام، مثل إعداد الميزانية، صعوبة اتباع الخطوات في مهمة ما، والارتباك أثناء التخطيط أو تنفيذ المهام اليومية، نسيان كيفية استخدام الأجهزة المنزلية أو تنفيذ مهام معتادة.
واضطرابات الكلام واللغة، مثل نسيان الكلمات المناسبة أثناء التحدث، التوقف المفاجئ أثناء الحديث وصعوبة استكمال الجملة، تكرار نفس الجمل أو استخدام كلمات غير دقيقة، وفقدان التوجه المكاني والزمني، عدم القدرة على تذكر التاريخ أو الوقت، الضياع في الأماكن المألوفة، صعوبة فهم المسافات أو العلاقات المكانية.
وهناك أعراض عامة مثل الشك في الآخرين (البارانويا)، صعوبة تقدير المسافات أو العمق، رؤية أو سماع أشياء غير موجودة، وضعف إدراك الألوان أو التباين، وعدم مراعاة قواعد الحديث أو السلوك الاجتماعي، والانعزال وعدم الرغبة في التفاعل، وصعوبة في التحكم في القرارات، واتخاذ قرارات خاطئة أو غير محسوبة، والميل إلى الإنفاق غير المنطقي، وفقدان القدرة على الكلام.
"ليكانيماب" يغيّر قواعد اللعبة
حتى وقت قريب يقول الأطباء إنه لا يوجد أي علاج نهائي لـ مرض الزهايمر؛ ولكن يتناول المريض على الأدوية للتخفيف من الأعراض، كالأرق، القلق، الانفعالات، والاكتئاب، وهناك نوعان فقط من الأدوية التي اعتمدت لإبطاء تدهور المرض.
في بريطانيا، وافقت المؤسسات الطبية على استخدام دواء جديد لعلاج مرض الزهايمر يُعرف باسم "ليكانيماب"، والذي وصفته الجهات المُختصة بأنه مغيّر لقواعد اللعبة، أظهرت الدراسات أن الدواء يساهم في إبطاء تقدم المرض بنسبة 27% عبر إزالة بروتين "الأميلويد" المتراكم في الدماغ، ويتم حقنه بالوريد كل أسبوعين لمدة 18 شهرًا.
رغم الموافقة عليه من قبل وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية (MHRA)، فإن المعهد الوطني للتميز الصحي والرعاية أشار إلى أن الفوائد المقدمة لا تبرر التكلفة العالية للدواء، التي تصل إلى نحو 20 ألف جنيه إسترليني سنويًا في الولايات المتحدة، مما يمنع توفيره عبر نظام الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، بحسب CNN Health.
وصفت الدكتورة فيونا كاراجر، رئيسة السياسات في جمعية الزهايمر، القرار بأنه لحظة تاريخية، لكنها أعربت عن خيبة أملها بسبب عدم إتاحته لجميع المرضى، وعلق ديفيد توماس، رئيس السياسات بمركز أبحاث الزهايمر، بأن تكلفة الدواء ستجعل الاستفادة منه مقتصرة على الأثرياء.
الدواء، الذي حصل على ترخيص في الولايات المتحدة واليابان والصين، يعمل على إبطاء التدهور الإدراكي ويستهدف مرضى الزهايمر الحاملين لجين (ApoE4)، ومع ذلك، رفضت وكالة الأدوية الأوروبية اعتماده في شهر يوليو الماضي، بسبب مخاطر جانبية تشمل النزيف والتورم في الدماغ.