تعد تقنية النانو في الطب واحدة من أكثر الابتكارات المثيرة التي أحدثت ثورة في طرق التشخيص والعلاج والرعاية الصحية ككل، إذ أن الأطباء يستطيعون استخدام جسيمات صغيرة جدًا، لتوجيه العلاج إلى الخلايا المصابة فقط دون المساس بالسليمة.
كلمة النانو منبثقة من الكلمة اليونانية nano وتعني "القزم"، كما عُرِفت الجسيمات النانونية بأنها الجسيمات المنفردة التي لا يزيد أبعادها عن 100 نانومتر، وترجع الخصائص والميزات الفريدة من نوعها للجسيمات النانونية إلى صغر قياسها، بالإضافة إلى التركيب الكيميائي والبنية السطحية لها، وتتخذ المواد النانوية أشكالًا كثيرة، لكل منها تركيب وخصائص ومقياس لقطرها وطولها، ولكل منها استخدامات مميزة أيضًا.
ثورة طبية
تقنية النانو في الطب هي فرع من العلوم يستخدمه الأطباء لتحسين وتطوير علاجات وطرق التشخيص، وتستفيد هذه التقنيات من خصائص المواد والأجسام على المقياس النانومتري لتسهيل وتحسين توصيل الدواء واستهداف الأمراض بدقة أكبر، وتستخدم تقنيات النانو في مجالات متعددة مثل تشخيص الأمراض وعلاج الأورام وإطلاق الأدوية بشكل مستهدف وتوصيلها إلى الأماكن المستهدفة في الجسم، وبفضل التقنية يمكن تحسين فعالية العلاجات وتقليل الآثار الجانبية وتحسين نتائج المرضى، في المستقبل، يُتوقع أن تغير تقنيات النانو مستقبل العلاجات المتطورة وتحسين جودة الرعاية الصحية.
وتقول إحصائيات إنه بحلول عام 2025، سيُصاب أكثر من 50٪ من سكان العالم بأمراض مزمنة مثل السرطان والسكري، وهنا تأتي تقنية النانو في الطب لتغيّر بشكل كبير مستقبل العلاجات المتطورة وتحسين جودة الرعاية الصحية، رغم أنها تواجه تحديات مثل ضمان السلامة والتأثير الصحي والتكلفة.
استخدامات عديدة
تستخدم تقنية النانو في الطب لأغراض مختلفة، حيث يعتبر تطوير أنظمة التوصيل المستهدفة أحد التطبيقات الهامة لهذه التقنية، تسمح تقنية النانو باستهداف تسليم الدواء إلى أجزاء محددة من الجسم بدقة عالية، بحيث يتم تجنب التأثير على الأنسجة السليمة، بفضل استخدام تقنية النانو، يمكن تحسين تراكم العقاقير في المواقع المستهدفة، مما يعزز فعالية العلاج ويقلل من آثاره الجانبية، حسب مجلة فيصل العلمية المتخصصة.
وتستخدم تقنية النانو أيضًا في تطوير الأدوية المستهدفة، حيث يتم تحميل الدواء في جسيمات نانوية تستهدف الخلايا المرضية بشكل محدد، وتعمل الأدوية المستهدفة هذه على زيادة فعالية العلاج وتقليل الآثار الجانبية على الخلايا السليمة.
كما أثبتت الدراسات الحديثة قدرة النانو على تطوير مواد وأنظمة تسهم في التصدي والتعامل مع جائحة كورونا، في مجالات التشخيص الطبي، والفحص المخبري، وتطوير معقمات قاتلة للفيروس، وصناعة ملابس الوقاية والعزل.
ويمكن بواسطة هذه التقنية تصوير خلايا الجسم بسهولة، كما لو أننا نأخذ لها صورًا عادية، كذلك يمكن التحكم بتلك الخلايا وتشكيلها بأشكال مختلفة، إضافة إلى استخدام "الليبوزوم" النانوية المصنعة كأنظمة توصيل للعقارات المضادة للسرطان واللقاحات، كما تستخدم جسيمات الذهب النانوية في أجهزة الاختبار المنزلي للكشف عن الحمل.
وفي مجال العمليات الجراحية، كشفت صحيفة "نانو ليترز" عن صنع شركة "كورفس" روبوت صغير بحجم النانومتر يستخدم كمساعد للأطباء في العمليات الجراحية الحرجة والخطرة، حيث يستطيع الطبيب التحكم في الروبوت بواسطة جهاز خاص مما يساعد في إنجاز العملية بكفاءة عالية وبدقة متناهية، وبالطبع فهي أفضل من الطرق التقليدية للعمليات الجراحية وأقل خطرًا، حيث يستخدم الطبيب عصاة تحكم تمكنه من التحكم بذراع الروبوت الذي يحمل الأجهزة الدقيقة وكاميرا مصغرة، وذلك ليحول التحركات الكبيرة إلى تحركات صغيرة، وهذا يتيح مزيدًا من الدقة الجراحية.
التحسين والابتكار في تقنية النانو
يعمل فريقًا من الباحثين بمستشفى جامعة ينا الألمانية الشهيرة منذ عام 2021، على إنشاء جسيمات نانوية مغناطيسية متعددة الوظائف لتشخيص وعلاج السرطان، وتجد هذه الجسيمات النانوية الخلايا الخبيثة في أي جزء من الجسم وتتراكم فيها، اعتمادًا على نوع الجسيمات النانوية، فإن هذا يساعد أطباء الأورام الكشف الدقيق عن الورم، والعقد اللمفاوية المصابة، وحتى النقائل الدقيقة في أي أعضاء وأنسجة، وتعزيز تأثير أدوية العلاج الكيميائي، والتوصيل الدقيق للأدوية، إذ تعمل الجسيمات النانوية المعدَلة كناقلات للأدوية، وتوصلها بتركيزات عالية إلى بؤر الورم.
ومن المتوقع أن تستمر تقنية النانو في تطورها وتحسينها في المستقبل، ويتم توجيه أبحاث النانو نحو تحسين فعالية العلاجات وتطوير تقنيات جديدة، يمكن أن تغيّر تقنية النانو المستقبل الطبي بشكل جذري، مع تحسين جودة الرعاية الصحية وزيادة فعالية العلاجات وتقليل الآثار الجانبية المحتملة، ستستمر تلك التقنية في أن تصبح مجالًا حيويًا للبحث والتطوير بالطب.