
لطالما كانت الأمراض المرتبطة بالقلب والشرايين حكرًا على الأغنياء في نظر الكثيرين. في الماضي، كانت تُنسب هذه الأمراض إلى نمط الحياة الرفاهي، مثل كثرة تناول اللحوم والأطعمة الغنية بالدهون، وهو ما كان يُعتقد أنه يهدد فقط الفئات الأكثر ثراء.
ولكن، في السنوات الأخيرة، كشفت العديد من الدراسات الطبية عن مفاجأة كبيرة: الفقر هو عامل رئيسي وراء انتشار الأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والشرايين، التي كانت تعتبر سمة من سمات الطبقات الاجتماعية العليا.
ما هي العلاقة بين الفقر والأمراض؟ وكيف تؤثر الظروف الاقتصادية على صحتنا؟ سنكشف في هذا المقال عن الدور المحوري للفقر في تزايد الأمراض وتأثير ذلك على الأفراد والمجتمعات.
الفقر والمرض
تظهر العديد من الدراسات الطبية أن الفقر لا يُعتبر مجرد حالة اقتصادية، بل هو عامل أساسي في تدهور الصحة العامة، فالأشخاص الذين يعيشون في بيئات فقيرة يواجهون العديد من التحديات الصحية التي تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السكري، وأمراض الجهاز التنفسي.
دراسة جديدة من جامعة أكسفورد
في دراسة حديثة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية، تم تحليل السجلات الصحية الإلكترونية لـ 22 مليون شخص على مدار عشرين عامًا، وركزت الدراسة على الأشخاص الذين تم تشخيصهم بأمراض القلب والأوعية الدموية بين عامي 2000 و2019.
وكشف البحث عن حقيقة مدهشة، وهي أن الأشخاص في المناطق الفقيرة أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بمعدل ضعف مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر ثراء. تم إجراء الدراسة على 1,650,052 شخصًا، وقد وجد الباحثون أن 48% منهم كانوا من النساء، وأن متوسط الأعمار في هذه الدراسة كان 70.5 عامًا.
هذا الاكتشاف يعكس أن الفقر ليس مجرد عامل خارجي يؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بل يمتد تأثيره بشكل مباشر على الصحة البدنية، إذ يفتقر الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في فقر إلى الرعاية الصحية الجيدة، والعلاج الفعال، والأطعمة الصحية التي تساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة.
أسباب تزايد الأمراض بين الفقراء
1. نقص الوصول إلى الرعاية الصحية:
الأفراد في المناطق الفقيرة غالبًا ما يواجهون صعوبة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية المناسبة. قد تكون العيادات والمستشفيات بعيدة أو غير متاحة بشكل كافٍ، مما يجعل التشخيص والعلاج المبكر للأمراض أمرًا صعبًا.
2. سوء التغذية:
أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تزايد الأمراض في المجتمعات الفقيرة هو نقص التغذية السليمة. في حين أن الأغنياء يستطيعون شراء الأطعمة الصحية، غالبًا ما يضطر الفقراء إلى تناول الأطعمة الرخيصة والمصنعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكريات، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب والسمنة.
3. الضغط النفسي:
العيش في فقر يسبب مستويات عالية من التوتر والقلق. وهذا التوتر النفسي يرتبط بارتفاع مستويات الكورتيزول في الجسم، مما يؤثر على الجهاز المناعي ويزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب.
4. البيئة غير الصحية:
الفقر غالبًا ما يرتبط بالعيش في بيئات غير صحية، مثل المناطق ذات التلوث المرتفع أو التي تفتقر إلى مناطق خضراء. التلوث الهوائي، على سبيل المثال، يعد من العوامل المساهمة في الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب.
التحديات المستقبلية
مع استمرار الأبحاث والدراسات في الكشف عن العلاقة بين الفقر والأمراض، فإن التحديات التي تواجه المجتمعات الفقيرة تزداد تعقيدًا، وتحتاج الحكومات والمنظمات الصحية إلى التركيز على تحسين ظروف الحياة في المناطق الفقيرة، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة، والحد من سوء التغذية من خلال حملات توعية.
في النهاية، لا يمكن النظر إلى الفقر كعامل اجتماعي فحسب، بل يجب أن يُعتبر جزءًا من معادلة الصحة العامة، الفقر لا يهدد فقط الاستقرار الاقتصادي، بل يساهم بشكل كبير في تهديد صحة الأفراد والمجتمعات، وبالتالي، فإن تحسين الوضع الاقتصادي للفئات الأكثر ضعفًا ليس مجرد خطوة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية، بل هو استثمار حيوي في صحة الإنسان.